Wednesday, January 23, 2008

النقاب والحجاب

كنت قد لاحظت أن هناك خلطاً واضحاً بين الحجاب والنقاب عند بعض القراء الكرام الذين اعتز بتفاعلهم على موقع الصحيفة الإلكتروني مع ما أكتب، سواء كان ذلك موافقة ودعما، أو رفضا وجدلا وعصفا للأفكار في محاولة لتحميلها ما لا تحمله.فلا يختلف مسلم على أن الحجاب الساتر المغطي لمفاتن جسد المرأة واجب على كل مسلمة، وأن التزام المرأة بالحجاب والحشمة يمثل ثابتا من الثوابت التي لا تجوز مخالفتها، ولكني لا أزال أؤكد أن المختلف عليه هو تغطية وجه المرأة بالنقاب وأن الأمر يتعلق بقراءة النص الديني والاختلاف في تفسيره، وقد قال سيدنا علي بن أي طالب عن القرآن الكريم إنه حمّال أوجه! ولم تكن يوما القراءة "البشرية" بما يعتريها من نقص وخطأ وبما تتعرض له من حذف وإضافة وتعميم وتعتيم مقدسة، ولكن المقدس فقط هو النص الديني. وعندنا من الأدلة والأحاديث، والأخبار المتواترة والشواهد الدّالة على أن المرأة المسلمة لم تكن تنتقب، وكانت تمارس نشاطا دينيا وسياسيا وتجاريا وثقافيا ملحوظا في الصدر الأول من الإسلام، ولم تكن معزولة عن المجتمع ولست هنا في مقام استعراض الأحاديث والشواهد فمساحة المقالة لا تسمح لي بذلك ومن أراد التثبت من ذلك فعليه الاطلاع على أمهات الكتب. وكلنا يعلم أن المرأة المسلمة كانت تطبب الجرحى في الغزوات بل كانت تشهر سيفها لتدافع عن الحق، وما شجاعة أم عمارة في الدفاع عن المصطفى صلوات الله وسلامه عليه عن الذاكرة الإسلامية ببعيد، وهي التي وقفت تدافع عن الرسول الكريم في غزوة أحد بعد أن انفض عنه مريدو الغنائم ولم يبق معه إلا الصفوة من الصحابة رضوان الله عليهم، وكانت معهم أم عمارة، فهل كانت أم عمارة تدافع عن الرسول الكريم وهي تغطي وجهها وتسدل عليه النقاب الذي يحجب الرؤية ويغمم البصر؟!لم يكن أيضا اللون الأسود المفروض على المرأة اليوم أحد مفردات الحجاب أيام الرسول الكريم، بل كانت المرأة ترتدي المعصفر من الثياب أي اللون الأصفر مع اشتراط ستره للجسد، وفي ذلك دلالة على أن الأعراف هي المتحكمة اليوم في مجتمعاتنا أكثر من تعاليم الدين وسماحته! بل لقد تجاوز التشدد حتى الأعراف المتسامحة التي كانت ديدن مجتمعاتنا الفطرية البسيطة قبل أن يفسدها التنطع، فقد كانت النساء القرويات - كما تفضل أحد القراء الكرام - يعملن ويركبن الدواب ويناقشن الرجال ويبعن ويشترين بنقاب ودون نقاب لا يتعرض لهن أحد ولا يقلق راحتهن متحرش أو مغازل! أحب أن أؤكد أيضا احترامي الشديد لكل من اختارت وتختار أن ترتدي النقاب معتمدة على الرأي الفقهي الذي يرى لزوم تغطية الوجه، كما أحترم من اختارت أن تقشعه وتكتفي بحجابها محتجة بالرأي الآخر. ولكن ما لا يقبله عقل راشد أن يتم وضع كاشفات الوجوه في خانة العاصيات المرتكبات لمخالفة شرعية وتحويل ما هو مختلف عليه فقهياً إلى أمر ثابت وقطعي، والخطير هو القناعة بامتلاك الحقيقة المطلقة وتحويل المختلف عليه إلى كبيرة من الكبائر! فهاهن ملايين النساء المسلمات في مشارق الأرض ومغاربها وعلى امتداد عالمنا الإسلامي المترامي الأطراف، يخرجن إلى أعمالهن ويقضين حوائجهن ويشاركن في تنمية أوطانهن وهن يرتدين الحجاب الساتر ويلتزمن بالحشمة مع كشف الوجه، فهل نحن فقط المسلمون؟!

No comments: